مقال نشرته صحيفة السفير بتاريخ 30-8-2005
اللهم لا شماتة
سحر مندور
الصورة تبدّل هويتها. إنه الإسرائيلي يُجرّ جراً خارج منزله، إنه الإسرائيلي يقاوم الجيش الإسرائيلي، إنه فعلاً إسرائيلي. تلك ليست صورة شعبي تتكرر للمرة الألف فتؤلمك قسوتها وتتوجس شراً من تتمتها. هي ليست صورة شعبي وقد بات مصدر الوجع الأساسي فيها يأتيك من كثرة تكرارها. تخاف التكرار لكونه يولّد السأم، والسأم يولّد التجاهل، والتجاهل يولّد ظلماً إضافياً بحق من يتلقاه يومياً. لكنه ليس ابن شعبي هذا الذي يغضب في صورة اليوم، هو المستوطن الذي تخشاه أكثر مما تخشى الجيش الإسرائيلي وأكثر مما تخشى أدوات سلطاتك المحلية. تخشاه كثيراً، هذا المستوطن. وتلك هي صورته وهو متنكر في مشهد بقي طويلاً حكراً على ابن بلدي. يخرجونه من منزله، ويشعر بالظلم.. مدلل هذا المستوطن، فهو سيتوجه مباشرة إلى بيت صمم من أجله وإلى فندق سيعتني براحته. بيته لم يهدم فوق رأسه كما يجري مع أبناء بلدي الذين يقفون حائرين بين الحداد على قريب قضى تحت الأنقاض وبين واقع التشرد وقد حطّ رحاله بينهم. سيُنقل المستوطن إلى حيث ينعم برخاء بديل، ويصر على الغضب والغضب واضح في الصورة. ما الذي يغضبه أكثر يا ترى؟ تخليه عن بيت الذكريات أم منحه للفلسطيني أرضاً يشيّد فوقها بيتاً؟ على الأرجح <<بيت للفلسطيني>> هي المعادلة التي لا يقبلها. والدليل على ذلك صور على الشاشات: يحرقون البيت وهم يخلونه. يشعرون بالظلم لكونهم اضطروا إلى رفعه جزئياً عن ضحيتهم. يؤلمهم التخلي الجزئي والمشروط والمرحلي عن دور الجلاد. لا يهم هذا كله الآن، فهي صورة الإسرائيلي بطلاً لمشهد صممه هو على قياس ابن بلدي. اللهم لا شماتة، لكنها صورة مضحكة. هل يصدّق فعلاً أنه مظلوم، هذا المستوطن الثائر؟ هل يشعر بأن أبناءه سيتربون خارج <<أرضهم>>، أن ماضيه سيضحي في مهب الريح، أن حقه الشرعي يسلب منه؟ هل يشعر بأن <<الخيانة>> أتته من الأقربين كالطعنة في ظهر أعزل؟ هل سينظم أغنيات الرفض الإسرائيلي ويلقي أشعاراً تشبه محمود درويش؟ هل سيسأم الدمع؟ هل سيرفض النسيان؟ هل سينتظر العودة خمسين عاماً ومن ثم خمسين عاماً تليها؟ هل سيحتفظ بمفتاح بيته في المستوطنة وهل سيتمسك بصك الأرض؟ هل سيضطر ابنه، وهو طفل، إلى فهم ما الذي يجري حوله؟ هل سينتظر المستوطن <<المظلوم>> أن تشرق شمس صباح يوم غير محدد التاريخ كي ينتفي الظلم عنه؟ يوم كانت تصل صور الحافلات تنفجر لتقتل إسرائيليين مدنيين، كنت ترتبك. كنت تهرول بعيداً عن الصورة لتنصر المقاومة بحجة أنها لا تفعل أكثر من إشعار الظالم بنوعية الظلم الذي يمارسه. ترتاح في حضن هذه الفكرة لكنك ترفض رؤية صورة المدني قتيلاً. أنت غير مصمم جينياً على تقبّل الدماء تسفك، مهما كانت قاسية بحقك هذه الدماء. اليوم، في غزة العربية، الدماء ليست مسفوكة. المشهد نظيف. الإسرائيلي ينتبه على <<الدماء الصديقة>>. فيسمح لك بألا ترتبك. تنظر إلى الصورة، فيخفق قلبك هاتفاً بحياة كل مقاوم انتزع هذا الحق بروحه. تنظر إلى الصورة وتحتضنها ولو مرة، فهي نادراً ما لا تروق هذا الإسرائيلي. إنه بالفعل مشهد تشتاقه العين. مبروكة الأرض على أهل غزة وعلى أهل الوطن
-------------------------------------------------------------------------------------------------------
تـعـليــق
لم يكن المطلوب أكثر
لم يحلم شارون بأكثر من هذه العبارات , فها هو اعلامنا العربي أبى الا أن يقدم القرابين في يوم التحرير المزعوم , هذه المشاهد التي ازدحمت بها الشاشات العربية قبل الاسرائيلية والغربية , هذه المشاهد التي رفضت صدقاً أن اتابعها على التلفزة , قد وصلتني عبر المقالات الرنانة والتهاني الوقحة أحياناً والبريئة أحياناً أخرى , بهذا الاعلام انتصر الصهيوني وبه هزم العربي .حين نقيم مشاهد المستوطنين الخارجين من المستوطنات الى اخرى بمشاهد اللجوء الفلسطيني , فهذا عيب , حين نقارن ما بين مأساة شعب كامل على مدى 70 عاماً وبين ادعاء المستوطن بالغضب , فهذا عار على شعب عربي يَنصت وشعب فلسطيني يُصدق , لا يهمني ان كان المشاهد شامتاً أو لا , ولكن أن يصدق ما يشاهد فهذا الفخ , أن يتأمل مشهد مستوطن غاضب لتركه بيته ظناً من أنه انتصر عليه فهذا الغباء .الهدف من كل ما شاهدتم هو رسالة ملونه لتظن أن الفلسطيني أخذ حقه من مغتصبيه , وأن القضية بين فلسطيني ومستوطن . لكي تشاهد المستوطن صاحب حق , علماً بأنه مأجور لحكومة اسرائيل ويدها الضاربة . كل مشهد انتزع منكم ابتسامة شامتة أو فرحة أو شاكرة , زاد في استمرار مأساة الفلسطيني اللاجىء والآسير والشهيد والصامد في مكانه , وهذا ما أراده شارون لكي ينزل بالقضية الفلسطينية أسفل السافلين , وقدمه له إعلامنا العربي على شاشة ومقالة من فضة .لا زالت العيون تلتصق بشاشات التلفزة , ولكن فليتذكر الجميع , أنه كلما كبر حجم الشاشة كلما ابتعدت عن المشهد الحقيقي ,وغداً حين تشاهدون الاحتفالات الفلسطينية في غزة لا تصدقوا أنهم فرحون .إعلامنا العربي .. شكراً
No comments:
Post a Comment