الفتاة الفقيرة التي غنّت في الرابعة عشرة اصبحت رمزاً للبنان لا يفارق وجدان العرب
فيروز تطفئ شمعتها السبعين في عيد الاستقلال
تطفئ المطربة فيروز اليوم سبعين شمعة، محتفلة بعيد ميلادها السبعين الذي يصادف عيد استقلال لبنان. ففي الثاني والعشرين من العام 1935 ولدت نهاد حداد في بيت فقير من بيوت حي «زقاق البلاط» البيروتي، من أب يدعى وديع، هو من السريان الذين هاجروا ن مدينة ماردين، وأم تدعى ليزا البستاني. وإن ولدت فيروز او نهاد (اسمها الأصلي) قبل عيد الاستقلال الذي أُعلن في الثاني والعشرين العام 1943، فهي ما لبثت ان أضحت رمزاً وطنياً يلتقي حوله اللبنانيون على اختلاف مشاربهم وانتماءاتهم.قد تبدو سيرة فيروز الشخصية خارج مسيرتها الغنائية ضئيلة في وقائعها، فهي تزوجت من عاصي الرحباني في العشرين من عمرها منضمة الى الأسرة الرحبانية كزوجة ومطربة في الحين ذاته. وكانت اصلاً تعاونت مع الرحبانيَين عاصي ومنصور قبل الزواج، بين عامي 1949 و1955. وإذا كان حليم الرومي اكتشفها قبل عاصي وأطلق عليها لقب فيروز عندما كانت تغني في الإذاعة اللبنانية، فإن الأخوين فليفل، محمد وأحمد، كانا سبّاقين في تأليف اغنيات فردية لها وتلحينها، وبعضها أنجز في الإذاعة السورية وإذاعة الشرق الأدنى. ومن تلك الأغنيات التي باتت مجهولة او شبه ضائعة: «ميسلون»، «فتاة سورية»، «إلى سورية» وسواها. وقد يصعب تصور تلك الفتاة ابنة الرابعة عشرة، تؤدي منفردة مثل هذه الأغاني عبر إذاعات مهمة ومعروفة حينذاك في المشرق العربي.عائلة الفتاة نهاد كانت من العائلات البيروتية الفقيرة، تقطن منزلاً تقاسمها إياه عائلة فيروز. اخرى، وكانت نهاد تسترق السمع الى «راديو» الجيران يبث اغنيات تلك المرحلة، فتحفظها وترددها. لا تخجل فيروز من حكايات طفولتها الحزينة والفقيرة، ويحلو لها أحياناً ان تقص على اصدقائها بعضاً من تلك الحكايات، ومنها حكاية الحذاء الذي يكون ابيض في الصيف ثم يصبح اسود في الشتاء، بعد ان تصبغه لتتمكن من انتعاله طوال السنة!لكن السيرة الحقيقية و»العامة» تبدأ بعد زواجها وانصرافها الى الغناء والتمثيل في الأعمال المسرحية والسينمائية. وهذه السيرة لا تخلو من الصفحات البيض المشرقة والصفحات السود القاتمة. فالحياة التي عاشتها فيروز لم تكن مستقرة، وهي كابدت من الآلام وربما المآسي بمقدار ما عرفت من مجد وشهرة. لم تحظ بالألقاب الكبيرة والأضواء والتكريمات إلا بمقدار ما عانت من شجون شخصية وعائلية. ولو لم تكن فيروز من طينة نادرة لما استطاعت ان تصمد حيال العواصف التي هبت في حياتها. ابنها «هلي» لا يزال مقعداً يتنقل بين السرير والكرسي المتحرك، شاب وسيم ولكن لا يعي ما يحصل حوله، ابنتها ليال توفيت في عز صباها... هذان جرحان في روحها لا يندملان مهما حاولت ان تنسى. اما الخلافات العائلية السابقة والهموم التي واجهتها فهذه امور أخرى، ليس مناسباً تذكرها الآن.تعيش فيروز مع ابنتها ريما، متنقلة بين بيتيها، الأول في الرابية وهو البيت العائلي والثاني في الروشة. نادراً ما تخرج فيروز من البيت، وإن خرجت ففي طريقة شبه سرية، واضعة نظارتيها وإن كان الوقت غروباً او مساء، فهي لا تحب الظهور العلني بتاتاً. اما اصدقاؤها فيزورونها في منزلها، وكذلك مستشاروها وناشرو اعمالها وسواهم. حياة هادئة جداً، تميل الى ان تكون ليلية، فالسيدة فيروز لا يمكن الاتصال بها إلا بدءاً من بعد الظهيرة.الليلة تحتفي فيروز بعيدها مع ابنتها وبعض الأصدقاء والصديقات الذين تأنس إليهم وتثق بهم. والعيد أليف وبسيط وبعيد من أي صخب إعلامي. لكنّ الإذاعات وبعض مواقع الإنترنت بدأت امس الاحتفال بهذا العيد وفي ظنها ان فيروز ولدت في الحادي والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر). وكانت مجموعة من المثقفين العرب اصدرت قبل شهر بياناً دعت فيه الدولة اللبنانية الى جعل يوم ولادة فيروز عيداً وطنياً. وهذا ما لا تحبه فيروز، هي التي تكره اصلاً الكلام عن الأعمار. وقد تكون على حق، فمن يصدّق ان هذه المطربة الكبيرة التي واجهت الزمن بصوتها البديع، واستطاعت ان تنتصر عليه حباً وحنيناً، لوعة ووجداً، اصبحت في السبعين؟
No comments:
Post a Comment