أن تحمل الأمتعة نزولاً افضل بدرجات من حملها صعوداًليست بالمعلومة الجديدة , ولكن لا أعلم لمَ بدأت بها حديثي ,لعله خجل الكلمات التي تبحث عن بداية تستأذن بها أبواب الإصغاء..
كان لا بد من العودة اليوم , جهدت بأن يكون كل شيء مرتب ومعد , حتى بطاقة الهوية أصبحت في مقدمة حقيبة اليد , لكي لا أضطر للبحث عنها بين أوراقي وأدويتي , حين يطلبها حراس الحواجز .
لا يجوز أن نبقي شيء من متعلقاتنا في منزل اطلنا فيه الضيافة , حتى لا يكون عالة على ساكنيه , وكي لا نترك بعضنا دون عودة , لذلك كلفنا هذا الحرص 3 ساعات في جمع شمل الحقائب إلى أن استقرت عند بوابة المنزل .
ارتج هاتفي المحمول معلناً وصول ما كنا في إنتظاره .. حينها جمعتنا سيارة واحدة , فجلست على المقعد الأوسط وابني يستلقي بجانبي, واضعاً راسة على حجري ,أما المقعد الخلفي فكان مشغولاً بحركة الأطفال الاربعة , الذين ظلوا يرددون أنهم مرتاحون وامورهم على ما يرام كلما سألت عن حالهم , هاجوا وماجوا حين طلب منهم السائق وضع أحزمة الأمان , ولأول مرة اتفقوا جميعاً .. ولن يضعوه, على رأسهم ابن السنوات الخمس الذي رفض الجلوس بحجة انه حر بأن يفعل ما يشاء , لم يجلس ولم يتوقف عن الحركة والكلام , أضحكنا جميعاً حين اشترك بالحديث الدائر بأن قال " في الشغل عند ماما في شجرة ورق عنب بس ما في معكرونة .. يا خسارة" ..
أحب السفر ليلاً , لكن هذا لا يمكن أن يحدث , فعبور الحواجز يمنع بعد السابعة , لذلك قررت أن تكون البداية في الخامسة مساءاً ,موهمة نفسي أنها أول ساعات الليل , بذا لا أخضع لمشيئة الحواجز والقائمين عليها .. وأسافر ليلاً . وحدها الأشجار تارة تتجمع وتارة تكون فرادى على طرفي الطريق المعشوشبة , مساحات شاسعة تأبى إلا أن تحاصرنا , جبالها عصية قوية , وتقبيل الربيع لأرضها دائم . هي بعض المباني الهجينة المنسقة ألقت بنفسها على قمم تلال اغتصبتها وتخشى نزولها , فصعدت لها الشوارع لتقصيها عنا وتصير جراحاً استدامت . في الخلف زاد الهرج والمرج للحظات ما لبث أن تحول إلى صمت بين الجميع , وتعلقت أنظارنا بشواهق اسمنتية تلاصقت وامتدت على طول الطريق , لم يجرؤ على التسلل من بينها غير أجساد صغيرة تختصر الطريق للمدرسة أو المنزل , وعند الاسمنت الشاهق أيضاً تلاصقت عربات الباعة تحت أعلام فلسطين الساكنة وصور تشي غيفارا أبو علي وشهداء دون أسماء , وليس عجباً تجمع المركبات كنقطة للوصول والمغادرة .. مما أوقع في نفسي الحيرة مما شاهدت , هل هو احتيال على واقع لم يكتفِ باغتصاب الأرض بل أبقاها مشرعة للتجزيء والحرق والتجريف , هل يمكن ان ينطوي الرفض على القبول ولو ضمناً ؟...
منذ البداية خبأت كلمة في نفسي ورحت أرددها بصمت كمن يتدرب على أنشودة امتحان الصف , وأحرص على أن لا تأخذني الربكة فأتأخر أو أؤجل ما يجول في خاطري , خفت ان تهمس بها شفتاي فتقضي على تفائلي وفرحي بما خبأت , فرحت أشغلها بالابتسام كلما اقتربت من ذاك المكان. هو الحاجز الأخير إذن .. حيث يزدحم الجميع فلا تعلم ان كانت الأسلاك الشائكة ومكعبات الاسمنت تخرج منهم أم يخرجون منها ,هناك الانتظار واجب علينا أصحاء ضعفاء صغاراً أو كباراً .. جميعاً انتظروا , بطاقات الهوية مشرعة ينظر فيها الجندي , لن ينظر ولن يدقق ولكن يكتفي بأن يقول امشٍ , مناوشات ونقاشات كثيرة وطويلة تحدث بين المنتظرين والجنود تصل الى حد الصراخ وتلاحم الأجساد دون الأيدي , أصعب نهاياتها حين يقتاد الجندي خصمه الى سيارة الجيب أو القاءه في حفرة خاصة أعدت لأمثاله يقضي فيها سحابة نهاره.. أو امشٍ . فتاتين ختمتا خجل الطفولة منذ أيام وأرسلتاه إلى الماضي القريب ليستقبلن عنفوان الصبا , أطالتا نظرات التحدي بالجنود ايماناً منهما أن المرور على الحواجز هكذا يجب أن يكون .
أخذت هويتي من الجندي طويتها وتأكد أن كل من معي لا زالوا معي , الأن فقط أسمح لشفتي بالبوح .. لم أحيي الذي على الجانب الأخر من الهاتف .. عــبـرنــــا .. عنيت كل حرف منها واجتمع العبر العبور العبرة والعبرات في لفظ واحد , عشرة دقائق فقط تفصلني عن مكاني وعالمي الذي أحب عن كل ما أشتاق له وأحن .. لقد عـبـرنـــــــــــا
No comments:
Post a Comment