أصبح عندي الان بندقية ...حاعمل بيها ايه؟
الله اكبر اسقطنا مائة طائرة للعدو، الله اكبر الجيوش العربية على اسوار القدس، الله اكبر اليهود يهربون، الله اكبر قواتنا تحاصر الجلب الصهاينة، الله اكبر سندخل تل الربيع (تل ابيب) قريبا جدا، الله اكبر ابقوا معنا لمزيد من الانباء، الله اكبر عصابات اليهود تنهار، الله اكبر الرئيس بشخص سيادته سيوافيكم بخطاب مباشر للامة: ايها الاخوة لقد نكسونا.
نكسونا العام 1967، ويمكن لنا الان ان نعتذر من قراء موقع شارع67، لاننا ببساطة طوال اكثر من عامين من عمر هذا الموقع لم نكتب بديهية "من نن" ولا حتى "لماذا شارع67"، والان ها نحن نستبق الذكرى الاربعين للنكسة (اعادها الله عليكم وعلينا بالخير واليمن والبركات ومزيد من النفط والقار) نستبق الذكرى، وابادر - دون زميلي - لاكتب عن سبب تسمية الشارع بشارع67، وهو ببساطة الشارع العربي، الذي لما يزل يعيش نتائج "النكسة" بعد النكبة والعدوان، وقبل الحرب التحريرية للعام 1973 واتفاق كامب دايفيد وبعدهما الاجتياح ومن ثم كل ما تعلمون وعشنا.
شارع67 اخذ اسمه من هزيمة معلنة وواضحة ونهائية، كان علينا كعرب وكيساريين ان نفهم ونعي ونغير ما بانفسنا قبل العودة الى صراع لن ينتهي مع المستوطن ارض بلادنا، صراع لن ينتهي الا كما انتهى ما قبله من صراعات شبيهة، صراع لم ينته في الماضي الا بعد عودة الافرنجة الى بلادهم التي اتوا منها على متن بواخر، ومن لم يشأ بقي تحت حكم عربي قبل ان تتقلب الاحكام والامارات والاساطين والسلطنات. وان كانت اسرائيل دولة نووية فقد مضى عهد التهديد بالاسلحة النووية التي لم تنفع الاتحاد السوفياتي ولم تدفع عنه شر الانهيار من الداخل مع حفظ الالقاب والاحجام لكل من البلدين.
الله اكبر انهزمنا، في يوم جميل من ايام حزيران يونيو، هو اليوم الخامس تمت هزيمتنا المنكرة، نعم هزمنا في اليوم الاول للحرب التي امتدت لستة ايام، ولطالما اننا من أهل العرب ولا نية لدينا بان نعاود الانتصار في امد منظور، ولا ارادة حقيقية للرئيس النكساوي (رحمك الله يا شيخ أمام) لا ارادة للنكساوي ولمستشاريه بالانتصار فسميت الهزيمة نكسة، نكسة مثل كل أفلام السينما التي درج النكساوي على تشجيعها، أفلام تنتقد ايام البكاوات والملكية دون ان تنسى التشجيع على شرب الكحول والحب والجنس ولعب الورق وعش ايامك عش لياليك (بما يتوافق مع متطلبات ذلك الزمن الجمالية والاخلاقية)، اضافة إلى اغاني الحب، ومطولات "عظمة على عظمة يا ست" والود الدلوع الغندور.
الله اكبر اسقطنا مائة طائرة للعدو، الله اكبر لقد نكسونا، لم يجرؤ الرئيس على تسمية الاشياء باسمائها، الهزيمة، التي لو اعترف بها كما هي لكان واجبا عليه الرحيل بصمت، وليس عبر خطاب بكى فيه وابكى حتى هبت الناس في شوارع الدول العربية وخاصة في مصر تطالبه بالبقاء، في تعاطف ساذج مع سبب الهزيمة ومسببها الاول.
الله اكبر نكسونا، هل حقا كنت تريد ان تقاتل؟ كيف يمكن لجيشك ان ينهزم؟ كيف يمكن لكل سلاح جوك ان يدمر على الارض قبل ان تقلع الطائرات وقبل ان يصل الطيارين السكارى من احتفال السفارة الاميركية بالامس (في الرابع من حزيران 1967) إلى طائراتهم. وكيف امكن ان تفقد الدول العربية (الاردن مصر وسورية) 400 طائرة واكثر من مليار دولار من الاسلحة التي دمرت مع الساعات الاولى للمعارك (في بعض المصادر ملياري دولار) وتسلم الى عدوها اسلحة بما يفوق ما فقدت حرقا، وكيف امكن لهذه الدول ان تخسر رجالها وتتركهم بالاف عرضة للاسر وللحصار.
خسرت اسرائيل 338 جندي على الجبهة المصرية، 300 على الجبهة الاردنية، و141 على الجبهة السورية، بينما خسرت مصر 80 بالمئة من معداتها العسكرية، وحوالي 11 الف جندي (أي ما يعادل حوالي 7 بالمئة من كل تعداد الجيش المصري)، وخسرت كذلك 1500 ضابط، وتم اسر 5000 جندي و500 ضابط مصري، وجرح 20 الف جندي مصري، وخسر الاردن سبعة الاف جندي، وجرح 20 الف من جنوده، وخسرت سورية 2500 جندي، وجرح 5000 من جنودها، وفقدت نصف معداتها من دبابات واليات ومدفعية وغيرها في هضبة الجولان، حيث غنمتها القوات الاسرائيلية، كما تم تدمير كل مواقعها في الهضبة المشار اليها، بينما كانت خسائر العراق الذي شارك بشكل رمزي (مثل لبنان حينها) عشرة قتلى و30 جريحا.
الخسارة الاهم كانت الارض، حيث ضاعفت اسرائيل من مساحتها ثلاثة اضعاف ما كانته يوم الرابع من حزيران يونيو العام 1967، واحتلت الضفة الغربية لنهر الاردن، وقطاع غزة التابع حينها لمصر، وصحراء سينا برمتها الى قناة السويس والجولان، اضافة الى عدد من المناطق المتفرقة مثل منطقة مزارع شبعا وغيرها حيث تقدمت القوات الاسرائيلية بشكل قضم للمناطق.
الخسارة الثانية من الناحية الاستراتيجية اصابت حليف العرب حينها، أي الاتحاد السوفياتي، الذي وقعت معداته القتالية من اليات وطائرات بايدي العدو الاسرائيلي، ومنه طبعا وصلت الى ايدي الخبراء الاميركيين، وفقدت اسلحته اسرارها، وهي ميزة اية اسلحة حديثة في المعارك الكلاسيكية، كما هبطت قيمة اسلحته في اسواق الاسلحة العالمية بعد هزيمتها المنكرة امام الجيش الاسرائيلي، وطبعا بغض النظر عن سبب الفعلي الهزيمة وطبيعتها.
الله اكبر، يا رب تجي في عينو، يصرخ الجندي المصري وهو يطلق النار مغمضا عينيه، بينما الجندي الإسرائيلي يكتب بلغة المنتصر وعنجهيته انه كسر كل الجيوش العربية، وان جيش الدفاع الإسرائيلي لا يهزم (لحسن الحظ اننا نعرف اليوم معادلة اخرى).
يا رب تجي بعينو، يصرخ الجندي المصري وهو يطلق النار مغمضا عينيه ثم يلوذ بالفرار، ثم يلقى الجندي الإسرائيلي مشقة وهو يجمع احذية الجنود العرب الفارين من أمام جيشه، انتهت حرب الايام الستة بهزيمة شنيعة، ضاعت القدس بكاملها هذه المرة، وراح الجولان بخبر كان، وضاعت سيناء، واصبحت قناة السويس بين نارين، وتم تهجير مئات الوف اخرى من الفلسطينيين، الحاقدين هذه المرة على اسباب هزيمة غير معلنة، الله اكبر لقد انتصرنا، الله اكبر لقد نكسونا.
كانت صدمة لي، حين عملت في مراهقتي في ارشيف احدى الصحف، مشاهدة صور حرب العام 1967، جثث الجنود العرب المكومة فوق بعضها، تلال من احذية الجنود الهاربين، احصائيات عن عدد القتلى العرب، معادلة الف قتيل عربي مقابل مقتل صهيوني واحد، مئات الطائرات العربية المحروقة، الوف الدبابات العربية المحروقة واطنان من الاسلحة السوفياتية الحديثة التي غنمتها اسرائيل، صور لا تدعي إلى البكاء، بل فقط إلى الغضب، كل هذه القدرات مقابل مواطنين يزداد فقرهم يوما اثر يوم، يدفعون المليارات لاحدث الاسلحة، الا ان ثمة ما لا يمكن شراؤه بالمال: ارادة القتال عند الجنرالات اصحاب الكروش والرؤساء اصحاب النزوات اللطيفة، عندها يدفع المصري من فقره ثمن السلاح، ومن حياته ثمن التردد والانهزامية.
صور العام 1967 وحربها التحريرية أكثر من مرعبة، هزيمة معلنة ونهائية، نجرجر اذيالها كل يوم، كل لحظة، ونسميها بغير اسمها، نقول نكسة، وننسى ان نعترف بماهيتها، وننسى بالتالي ان نبدأ النهوض من لحظة الهزيمة ونحو افق تفاؤلي.
ربما لم يكن كافيا انتصار جلي في لبنان لمحو اثار الهزيمة، ولن يكون كافيا تسوية من هنا او هناك لنسيان هذه الهزيمة، لا زلنا إلى اليوم ندفع ثمن التردد والحياة الرخية التي ارادها بعض الجنرالات لانفسهم، وتوريث السلطة من مهزوم إلى منكوس إلى مفجوع، لا زلنا ندفع الثمن ونحن نعلم انه قبل الاعتراف بالهزيمة فان كل التسويات التي نعقدها مع العدو مبنية على هزيمتنا، أي انها مبنية على انتصار الخصم وقدرته على فرض شروطه علينا، هذا اذا اراد التفاوض واملاء التسويات وعقد الاتفاقات، واذا امتنع فلنا من بعدها الصبر والسلوان.
"انتظرناهم من الشرق فأتونا من الغرب"، لا يكفي هذا التحشيش السياسي والعسكري الاستراتيجي لاثارة التعاطف، ولا يكفي لان يتحول مسبب الهزيمة إلى اسطورة عربية لا قبلها ولا بعدها، انتظرناهم من الشرق فاتونا من الغرب، تظهر فقط عقم من وصل إلى السلطة بقوة السلاح وبفضل الجزمة العسكرية وعلق على صدره ما استطاع من النياشين، وحين تراكمت النياشين فوق الشارات راح يعلقها على مؤخرته مزدهيا بعجز (بالمعنيين) مل الإسرائيليون من رفسه.
حرب الايام الستة للعام 1967، وهي كان يمكنها ان تكون حرب اليوم الاوحد، لولا المساحات الشاسعة التي كان على الإسرائيليين قطعها بالياتهم، مما استوجب ان تمتد العمليات العسكرية لهذه الايام حتى تصل القوات الاسرائيلية إلى القناة، بمعنى اخر هرب جنودنا من اللحظات الأولى للحرب، وبقي على الإسرائيليين الركض للامساك بأكبر عدد ممكن من الأسرى وتغطية كل المساحات المحتلة بقواتهم العسكرية. في ذكرى هذه الحرب تقف امرأة عجوز قرب مكب للنفايات، تبحث فيه، تقلب اكياس النايلون.
المرأة العجوز تضع احمر الشفاه، ربما احمر الشفاه الفاقع الذي تضعه على شفتيها سبق ان عثرت عليه في مكب نفايات اخر في يوم النكبة، وشعرها الذي صار مجرد خصلات على جلد رأسها، بعد ان كان ولا شك شعرا غزيرا وجميلا في ايام انقضت، شعرها اصبح لونه مائلا إلى الاصفرار، شبيه بالاصفرار الناتج عن التدخين، واضطرت إلى الوقوف على الرصيف لتتمكن من النظر إلى داخل مكب النفايات، بعد ان ذهب الزمن باستقامة عظامها، وصارت محدودبة وعظامها نخرة، يمكن الحكم على هذه العظام لبروزها من تحت الجلد، الذي بطبيعة الحال قد تشقق وتطعم ببقع سوداء نتيجة الكبر، تقلب هذه المرأة اكياس النفايات باحثة، ثم تفتح احدها، وهي تقف اسفل كاميرا مراقبة امنية، في محيط قصر احد امراء الطوائف اللبنانية.
يا سيدي يا ايها الرئيس النكساوي، الله يبشبش الطوبة الي تحت راسك يا بيه، شايف امالتك لو انت انتصرت مرة واحدة، بس مرة، دي العجوز كانت حتتستر وتتستت بيتها، وكانت اشتراكيتك النص نص حتوصلها رزقها لعندها، واخد بال امالتك؟؟ لاء ما اظنش.
No comments:
Post a Comment