(في ذكرى أربعين ياسر عرفات)
جورج حاوي الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني
صعقني خبر مرض <<الختيار>> وأنا في ليبيا. سارعت إلى باريس أحاول أن أطمئن، وربما أن أفيد... وعندما التقيت الأخوين أبو مازن وأبو علاء وهما عائدين من المستشفى أدركت حجم المصاب.... .... سارعت إلى القاهرة لأشارك في التشييع تعبيراً عن وفاء شعب لبنان لهذا القائد التاريخي الفذ، وتأكيداً لتمسكنا بقضية شعب فلسطين التي من أجلها كرسنا عمرنا.... .... مشيت مع رفاقي، وليد جنبلاط ومحسن إبراهيم وتوفيق سلطان... وبقايا الحركة الوطنية... وشظايا القيادة المشتركة، وراء نعش الزعيم الراحل... ولم أدخل قاعة <<كبار الضيوف>>... بل قصدت شقة ابنتي نارا المطلة على <<مطار ألماظة>> العسكري لأتابع من هناك طائرة الفقيد الكبير وهي تحمل جثمانه إلى فلسطين... وأنا أستعرض شريط الأحداث التي عشناها معاً في أسطورة الصمود. لم أستطع أن أمنع عن عيني الدموع، ولا عن شفتي الهذيان... مسحت الدموع بعد حين... وسجلت ذلك الهذيان... فكان ما يشبه القصيدة
مشينا خلف نعشك محبطين بكينا حلمنا لما بكينا
أفعل السمّ، أم من فرط قهر!
وسمّ الذل أدهى ما بلينا
يحاصرك العدو فلا تبالي وترفض أن تساوم أو تخونا
وشعبك مثل نهر النيل دفقاً تفجر ثورة يحمي العرينا
ولكن الشقيق متى تخلى وصار مسايراً للغاصبين يفتت ألف كبد
يا شهيداً، تفتت قلبه كي يفتدينا
نظام الردة العربي هذا بدا استمراره أمراً مشينا
فليس الخصم لا يقهر ولكن هي الأعداء تجني الضعف فينا
حكومات أذلتنا طويلاً وفير المجد أن تبني سجونا تقاتل باسمنا
نخسر حروباً فتعقد باسمنا صلحاً مهينا
جيوشاً لا لتحرير أقمنا لنحمي الحكم جيشاً قد بنينا ضعفنا فاستباحتنا الأعادي وراحت تمعن التفتيت فينا
بلاد الرافدين غدت خرابا وأرض النيل قد أضحت رهينا
وفي الحرمين إرهاب وحقد باسم الدين
ربي لا ترينا وبلدان الخليج قصور رمل بدا الإعصار يضربها مكينا
وسوريا يواجهها حصار تساومها الضغوط لتستكينا
يهددنا بتدويل قرار ذكرنا بعده الأم الحنون
وفي إيران تحضير لغزو بوادره اتهام المفترين
وفي أفريقيا غذوا حروباً حقول النفط تغري الفاتحين
وعولمة تلف الأرض غزواً يقود الكون بعض الحاقدين
ونحن نغوص في أوحال جهلٍ نحارب بالكلام مرددينا شعارات مضى زمن عليها هتافات تمجّد قامعينا
نخوّن بعضنا بعضاً بحقدٍ نهاب
نرهب أقربينا طلبنا وحدة فغدت سراباً وبتنا في الديار مفتتينا
تفرقنا طوائف بل شظايا مذاهب أو قبائل قد غدونا بغيّ غيّرت دنيا فأضحت فتيلاً موصلاً للمفتنين
وصار البعض للأقباط عوناً وناصر بعضهم المسلمين ومرّت قصة التطبيع سهواً تفاصيلاً
بدت <<للمؤمنين>>
أرادوا أن نقارن بين بوش وبن لادن لنبقى تائهين
نحارب فرض إصلاح هجين ولكن لا نبادر مصلحين
وما لإصلاح إلا حين نصحو شعوباً ننفض العبء العفين
نقم للعقل وزناً واحتراماً ونخطو للأمام مجددين
شعوب حرة تبني وتعلي صروحاً للحضارة مبدعين
هي الحرية المفتاح دوماً بلا حرية لا خير فينا
وفي لبنان حاولنا طويلاً لنجمع سلطة ومعارضين
وقلنا إن فرض الحل قسراً عديم النفع، ملعوناً، لعيناً
فلا التجديد قسراً فيه نفع ولا التصحيح قسراً فارضين
مصالحة طلبنا، أو وفاقاً نحاور، قلت
ردوا رافضين جنون ساد أهل الحكم كلاً فجاء الرد يشبهه جنونا
فراح الحكم مسعوراً يردد سنجهل فوق جهل الجاهلينا
وبتنا في مناخ من تحد يضيع الصوت إن يصدر رزينا
هي الأهواء تحكم ليس عقلاً يحاول أن يحاور أو يزينا
دمشق، قال واحدهم، فردوا تبن للقرار مدافعين
ونصرخ نحن: بل لبنان، ويحاً ألسنا نحن أيضاً راشدين
سيادتنا نريد وليس إلا ونبقى للشقيق مؤازري
عروبتنا أخذناها خياراً ونرفض أن نعامل قاصرين
وليس الغرب أقرب من شقيق ولكن للتكافؤ منشدين
نداءً للعقول وللنوايا وقفنا اليوم أيضاً مطلقين
تعالوا للحوار بلا تحدي لنبحث في المسار مصححينا
فإن ظل الجنون يسود دوماً فإنّا للتقاتل عائدين
ولست بمالك غير التمني فبحّ الصوت، بتنا صامتين
أبا عمار ليس السم أدهى ولا الأعداء كانوا مرهبينا
أتذكر أننا عشنا طويلاً نقارع كل كيد الكائدين
تقاسمنا النواقص والخطايا! لرب الكون وحده أن يدينا
تقاسمنا القذيفة والشظايا تقاسمنا الرصاصة والكمينا تقاسمنا الرغيف وبعض ماء ودمع يتيمة نظرت إلينا
أتذكر يوم ودعنا كمالاً وعاهدنا، وأقسمنا اليمين
ويوم خرجت من بيروت قسراً هزيمتنا بدت نصراً مبينا
مقاومة، زرعت لنا بذوراً بأرض أنبتت زرعاً ثمينا
شيوعيون بادرنا، كفتح، طليعيون، جاؤوا يتبعونا
وقوميون من أطياف شتى بنهج البندقية ممسكين
وحزب الله قد أبلى بلاءً تخر له الجبابر ساجدين
وأبناء الجنوب رفعن رأساً لشعب ما تعوّد أن يلينا
شهيداً تلو آخر أو أسيراً هم الأبطال نذكر ما حينا
وصار الشعب مثل الطود حزماً نصيراً للمقاوم أو معينا
لأول مرة حكماً وشعباً بدينا في الكفاح منسقينا
شيوخ أم شباب أم صبايا لتحرير البلاد معاً مشينا
صلاة في بكركي أو آذان ببئر العبد في الحق التقينا
وما الأديان تفرقة لقوم جعلنا من قراع الظلم دينا
صحافتنا، وأهل الفن، باتوا شهادة فخرنا بمثقفينا
فلسطين الحبيبة ما تخلت فأعطت شعبنا الدرع الحصين
وأعطانا معمّر كل دعم ومن إيران جاؤوا ناصرين
ومن بردى أتانا العون حياً فجاء النصر يخبرك اليقين
وكان النصر زلزالاً رهيباً صدى حولا تردد فوق سينا
ومن حيفا لغزة انتفاض لشعب يرفض العيش المهين
حجارتهم، رصاصتهم، وبالاً وعبوتهم بأجساد حمينا
ولا أخشى مبالغة بقولي بأن لم تعرف الدنيا قرينا
مدى قرنين يعطي، لا حساباً، شهيداً أو جريحاً، أو سجينا
كما البركان لا يهدأ ويقذف بوجه عدوه الحمم الدفين
وحولك ظل ملتفاً كطود وأنت بقيت قائده الأمين
تفاوض دون وهم أو تخل تقاتل قبل كل الآخرين
تريد سيادة لا نقص فيها وترفض مثلنا وطناً هيجنا
تريد القدس عاصمة عسانا نصلي في حماها أجمعينا
فأعلام العروبة لا سواها تصون الحق ترضي المرسلين
وحق العودة المضمون حتماً فلا توطين يغري اللاجئين
إذا كنا على أوسلو اختلفنا وعدنا بعد رفضك، والتقينا
هو التكتيك أحياناً، ولكن على الأهداف كنا مجمعين
يطول الدرب، تزداد الضحايا ًيفيض الحقد عند المجرمين
ولكن مأزق الأعداء يكبر ويكفي أن نتابع صامدينا
نحاذر فتنة ترضي عدواً نرص صفوفنا رصاً متينا
ومهما اشتدت الظلمات آناً فنور النصر حتماً مبصرين
وما استعصى على شعب منال إذا الأطفال كانوا ثائرين
هضاب القدس سوف ترى رباها غدا رايات نصرك خافقين
أبا عمار، هل تدري لماذا أصلي كي أعيش ولو سنينا
فلا طمعاً بجاه أو بمال وما كنا بكسب طامعين
ولا وهماً بدور في نضال وقد بتنا جنوداً طائعين
تسلّم بعدنا الرايات جيل سيعرف كيف يكمل ما بدينا
طلبت العمر كي أشهد بعيني غداة النصر قوماً زاحفين
لعلي مكملاً سنوات عمري خطيباً في الحجيج القاصدين
إلى خدر الحبيب نرش طيباً ونركع عند قبرك خاشعين
*
السفير 4/01/2005
No comments:
Post a Comment