دخل <<الختيار>> في غيبوبة أعمق. هذا ما أعلنه مستشفى بيرسي العسكري الباريسي رسمياً، وسرعان ما تبعته تصريحات تعلن وفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، قبل أن تتبعها فوراً سلسلة من التصريحات النافية. وهكذا ظل إعلان الوفاة رسمياً وكأنه مؤجل حتى تحيّن الموعد المناسب، ربما اليوم. وبدأت المشاورات فعلاً لترتيب إعلان الوفاة وتنظيم الجنازة، سواء بين الفلسطينيين أنفسهم الذين أعلنوا عزمهم على دفنه <<مؤقتاً>> في مقر المقاطعة في رام الله التي حوصر فيها وباتت رمزاً للصمود، وتخليهم بالتالي عن السعي الى دفنه في القدس المحتلة، أو بين الاسرائيليين الذين يعارضون دفنه في القدس، والذين قد يرضون الآن بمدينة رام الله بديلا، وقد يتخذون قرارهم النهائي اليوم خلال اجتماع المجلس الامني المصغر لحكومة ارييل شارون والمخصص حصراً لقضية دفن الرئيس الفلسطيني. أما مصر فقد أوفدت مبعوثاً خاصاً الى رام الله ليطرح على الفلسطينيين خيار تنظيم الجنازة الرسمية في مقر الجامعة العربية في القاهرة، قبل نقل الجثمان الى فلسطين. وعزز من التكهنات بأن إعلان الوفاة بات وشيكاً الحديث عن زيارة رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي في فلسطين الشيخ تيسير التميمي الى باريس اليوم، حيث من المتوقع بحسب مصادر فلسطينية أن يتخذ قراراً بنزع أجهزة الإنعاش عن جسم عرفات، وهي مسألة كان قد استبعدها وزير الخارجية الفلسطيني نبيل شعث مذكراً بأنها لا تجوز إسلامياً ما دام المريض لا يتألم. وذكر شعث خلال مؤتمره الصحافي في باريس قبل مغادرة الوفد الفلسطيني الرباعي عائداً الى رام الله عبر عمان، بأن مقر المقاطعة الذي حوصر فيه عرفات نحو ثلاثة أعوام، في غرفة صغيرة محدودة التهوئة، وبنظام غذائي غير صحي، عوامل ساهمت الى جانب تقدمه في السن في التعجيل في تدهور حالته الصحية ووصوله الى هذه المرحلة من المرض. اذن، في ليلة القدر، شارفت رحلة عرفات الطويلة على نهايتها، وباتت حياته بيد الله ونجاته تنتظر معجزة، صلى الفلسطينيون امس من أجل حصولها، في زمن لم تعد تحدث فيه معجزات. ولم تنتظر الولايات المتحدة طويلاً وأعلنت استعدادها للتعامل مع القيادة الفلسطينية الجديدة، وأشادت بأسلوب عمل القيادات الفلسطينية في المرحلة التي تلت نقل عرفات الى باريس للعلاج. والغيبوبة الاعمق التي دخل فيها عرفات منذ ليل امس الاول ليست من النوع الذي يعيد المريض الى الحياة. هذا الاستنتاج الذي قدمه مصدر مطلع ل<<السفير>>، أكده بصورة غير مباشرة شعث في مؤتمره الصحافي حيث قال ان حياة عرفات باتت <<بيد الله>>، مشيراً في الوقت ذاته الى انه <<لم يمت وان قلبه ودماغه ورئتيه ما تزال تعمل>>. واذا كان شعث أكد ان الاسلام يرفض <<الموت الرحيم>>، فإن <<صلحاً رحيماً>> هو الذي سيطر أمس على لقاء القادة الفلسطينيين الذي زاروا باريس، مع سهى عرفات. وكانت باريس التي استقبلت الوفد الفلسطيني المؤلف من أمين اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية محمود عباس ورئيس الحكومة أحمد قريع ووزير الخارجية نبيل شعث ورئيس المجلس التشريعي روحي فتوح أدت دوراً في التخفيف من حدة التوتر بين سهى والقيادات الفلسطينية وأكدت على لسان وزير خارجيتها ميشال بارنييه دعمها الكامل للقيادة الفلسطينية واستعدادها للعمل معها. وتؤكد المصادر ذاتها ان الرئيس جاك شيراك الذي استقبل الوفد الفلسطيني بعد بارنييه أكد للقادة الاربعة انه كان يكن محبة خاصة لعرفات ولكن يجب الافادة من وفاته المحتملة لإعادة إطلاق مسيرة السلام، خصوصاً ان الولايات المتحدة باتت أكثر استعداداً للعمل مع القيادة البديلة للرئيس الفلسطيني. وفي هذا السياق، أعلن المتحدث باسم الاليزيه ان الرئيس الاميركي جورج بوش استفسر امس من شيراك عن صحة عرفات. وقال المتحدث جيروم بونافون ان الرئيس الفرنسي اتصل ظهر الثلاثاء بنظيره الاميركي لحوالى عشرين دقيقة وان بوش <<استفسر عن صحة رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية>>. الى ذلك، أكد وزير الخارجية الاميركي كولن باول استعداد واشنطن للتعاون مع قيادة فلسطينية جديدة عند قيامها في حال وفاة عرفات. وخلال زيارة الى مكسيكو، قال باول <<الولايات المتحدة مستعدة للالتزام (بالعمل) مع القيادة الفلسطينية الجديدة عندما يحدد المسؤولون الفلسطينيون هذه القيادة>>. وأكد التزام بوش بقيام <<دولتين اسرائيلية وفلسطينية تعيشان بسلام جنباً الى جنب>>. وأضاف باول <<سنرى ما سيحدث في الايام المقبلة إلا ان التزامنا بالعمل على حل يقضي بإقامة دولتين على أساس خريطة الطريق لم يتبدل>>، مشيراً الى ان <<خريطة الطريق موجودة وهي موجودة لنستخدمها>>. ورداً على سؤال حول صحة عرفات أجاب باول <<نعرف ان مرضه خطير وليس هناك تأكيد بعد لوفاته>>. وكان باول أعرب امس الاول عن <<إعجابه بالطريقة التي يعتمدها القادة الفلسطينيون في إجراء مناقشات في ما بينهم وفي إحراز تقدم في مناقشاتهم>> حول مستقبل شعبهم. كما بدا باول أكثر حذراً في حديثه عن القيادة الفلسطينية الجديدة، وقال <<سننتظر لنرى ما سيحصل>> مضيفاً ان <<الامر يبقى مرتبطاً كثيراً بالقيادة التي ستظهر>> في الاراضي الفلسطينية. وقال الوزير الاميركي <<منذ ان ذهب (عرفات) الى المستشفى في باريس وأنا أشعر بإعجاب للطريقة التي يناقش بها القادة الفلسطينيون في المناطق (الفلسطينية) في ما بينهم كيفية السير قدماً>>. وأضاف انه باستثناء العملية الانتحارية التي أوقعت ثلاثة قتلى الاسبوع الماضي في تل ابيب فإن <<الوضع هادئ نسبياً>> في الوقت الحاضر. وأضاف <<نحن على اتصال بكل الاطراف. والرئيس قال ذلك بشكل واضح وأنا أقوله: نحن مستعدون للالتزام عندما يكون ذلك مناسباً لنا>>. ونقلت صحيفة <<فايننشال تايمز>> عن باول قوله ايضا ان الولايات المتحدة مستعدة لممارسة ضغوط حتى يستعيد الشرق الاوسط السلام، من خلال الاستناد الى جميع التغييرات الحاصلة في التراتبية الفلسطينية من جراء مرض عرفات. وقال <<نحن مستعدون لاغتنام أي فرصة بكل ما لدينا من عزم>>، قائلاً ان الشرق الاوسط <<هو واحد من أهم أهداف سياستنا الخارجية>>. وفي القاهرة، ذكرت وكالة أنباء الشرق الاوسط المصرية ان بوش أكد لنظيره المصري حسني مبارك في اتصال هاتفي التزامه في البحث عن حل سلمي لأزمة الشرق الاوسط. وشرح بوش لمبارك <<الخطوات المستقبلية التي ستقوم بها الادارة الاميركية>> ووعد <<بالتعاون بشكل أكثر فاعلية مع قضايا إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الاوسط>>. وأضافت الوكالة أن بوش أكد بأنه سيفعل ما بوسعه <<لتنفيذ كامل لرؤيته>> المتعلقة بإنشاء دولة فلسطينية مستقلة تعيش بسلام الى جانب اسرائيل. أما مبارك فقد أكد على <<أهمية أن يعود الطرفان الاسرائيلي والفلسطيني الى تنفيذ التزاماتهما في خطة خريطة الطريق وان تبدأ المباحثات مباشرة في أقرب فرصة>>. وأكد بوش <<تقديره لجهود مبارك>> في مساعدة الفلسطينيين للاستعداد <<لتحقيق الانسحاب من غزة>>. (<<السفير>>، رويترز، أ ف ب، أ ب)
No comments:
Post a Comment