عناية جابر
لا تزال بيروت تحرّك أسئلة. هذه قوّتها، هذا همّها، هذا دأبها. ففي محاولة جادة في قراءة تجربة جريئة قلبت فيروز على قواعدها التكتيكية الغنائية التي بنت عليها حضورها الشعبي، محليا وعربيا وعالميا، منتقلة من الغناء الى الأداء مع تجربة زياد الرحباني، وفي مزج مدهش بينهما، افتتح برنامج أنيس المقدسي ليل أمس احتفالا بمرور أربع سنوات على تأسيسه، مؤتمر الكلمة والموسيقى والمسرحة بعنوان: فيروز/زياد 1973 2006) في <شي عم بيصير>، ويستمر لغاية يوم السبت 29 نيسان الجاري في قاعة بطحيش، مبنى الوست هول الجامعة الأميركية، بيروت. يرمي المؤتمر الى دراسة هذا التيار التجديدي في الموسيقى العربية، وفي فهم التفاعل الخلاق والانفتاح على مختلف أشكال التعبير الفني، والتجديد في الموسيقى وفي الكلمة الشعرية. المؤتمر في افتتاحه ليل أمس وسط الحضور المهتم، قارب مسائل أساسية في لغة زياد وفي الحداثة الواقعية في أغاني فيروز وزياد وفي السيرة اللغوية وشارك فيه كل من أحمد بيضون ورشيد الضعيف وفواز طرابلسي وحنان قصاب حسن ورفيف صيداوي وتغيّب محمد أبي سمرا. حنان قصاب حسن وتحت عنوان <تحية الى فيروز> عرضت الى الفضاءات الجمالية والثقافة الشفوية الحية في أغنيات فيروز، التي بدت في أغنياتها حيية في الحب لا تطرح أسئلة، لتأتي في مرحلة زياد الرحباني، مناكفة، ساخرة، عموما واقعية في رؤيتها الى الرجل، فقدمت أغنية من وحي اليومي والمُعاش. حسن أوردت الأمثلة والمقارنات بين أغنيات فيروز على زمن عاصي ومنصور وبين <النقلة> مع زياد بمضامين الحاضر. ندوة الأطر الاجتماعية واللغة والنصوص أدارها فواز طرابلسي، وشارك فيها أحمد بيضون في ورقة تحت عنوان (غناء فيروز لكلمات زياد: قمر الصباح الباكر يحكي بلايا آخر السهرة) رأى فيها بيضون الى وجود نوع من التباين في اللون بين صوت فيروز وكلمات زياد، يواكبه تباين آخر بين كلمات زياد وموسيقاه. ولا يرى الكاتب عيبا في هذا، بل يعدّه بعدا من أبعاد الطرافة التي ميزت تعاون فيروز وزياد. من جهة أخرى، توقفت الورقة مليا أمام الكلمات نفسها فترصد فيها نوعا من <العي> أو <الحبسة> (أي العجز عن الكلام المتسق والمفيد) بما هما ميزة لطريقة اللبنانيين في التخاطب. تلم الورقة أيضا بالعالم المرجعي لزياد الرحباني، فترى فيه ضدا للعالم الرومانسي الذي أنشأه عاصي ومنصور، وكان محوره مركزية <الأنا> الفردية او الجمالية وتسأل الورقة أخيرا عن ماهية العالم الذي يقيم فيه زياد بما هو مقابل لمرجع أبيه وعمه الريفي أساسا. ليس زياد الرحباني رجلا بلا أحلام إذن يقول بيضون وإنما هو فنان أحلام مكسورة. رشيد الضعيف في <كلمات تفصح عن محتوى الوجدان> تناول كلمات زياد الرحباني في شريطه <بما إنّو>، واعتقد ان ما يجري على كلمات هذا الشريط يجري كلامه في أعماله الأخرى عامة. الضعيف في مداخلته القيّمة عرض الى خروج زياد عن المألوف الشعري، وأشار الى الحيوية في كلماته، الخالية من الادعاء الشعري والى كونها <الشعر المضاد> على المستوى الأسلوبي وعلى المستوى الأخلاقي، وهي تضع السامع فورا في قلب الموضوع، في قلب المأزق، بلا ممالأة ولا مواربة لأن ممالأة الشعب أخطر من ممالأة <النظام> او <السلطة>. كان لافتا عرض الفيديو لأغنية <يا طير> كما ان المقابلة المصوّرة مع نجاة نعيمة ناصيف حول لغة زياد وعملهما المشترك <حكايا> أضاءت أولا على حيوية نعيمة وتقديرها لتلميذها يوما، زياد الرحباني، وغبطتها من قبوله تلحين أحد نصوصها. كما ان رفيف صيداوي في ورقتها: <الحداثة الواقعية في أغاني فيروز وزياد> لم تحد عن المناخ العام للمؤتمر في جلسته الافتتاحية كما وأضاءت على تجربة فيروز مع زياد في منحاها الساطع والحياتي والمتماهي مع الحاضر الذي نعيش
جريدة السفير 28-04-2006
No comments:
Post a Comment