Friday, November 16, 2007

عائدون

أن تحمل الأمتعة نزولاً افضل بدرجات من حملها صعوداً
ليست بالمعلومة الجديدة , ولكن لا أعلم لمَ بدأت بها حديثي ,لعله خجل الكلمات التي تبحث عن بداية تستأذن بها أبواب الإصغاء..
كان لا بد من العودة اليوم , جهدت بأن يكون كل شيء مرتب ومعد , حتى بطاقة الهوية أصبحت في مقدمة حقيبة اليد , لكي لا أضطر للبحث عنها بين أوراقي وأدويتي , حين يطلبها حراس الحواجز .
لا يجوز أن نبقي شيء من متعلقاتنا في منزل اطلنا فيه الضيافة , حتى لا يكون عالة على ساكنيه , وكي لا نترك بعضنا دون عودة , لذلك كلفنا هذا الحرص 3 ساعات في جمع شمل الحقائب إلى أن استقرت عند بوابة المنزل .
ارتج هاتفي المحمول معلناً وصول ما كنا في إنتظاره .. حينها جمعتنا سيارة واحدة , فجلست على المقعد الأوسط وابني يستلقي بجانبي, واضعاً راسة على حجري ,أما المقعد الخلفي فكان مشغولاً بحركة الأطفال الاربعة , الذين ظلوا يرددون أنهم مرتاحون وامورهم على ما يرام كلما سألت عن حالهم , هاجوا وماجوا حين طلب منهم السائق وضع أحزمة الأمان , ولأول مرة اتفقوا جميعاً .. ولن يضعوه, على رأسهم ابن السنوات الخمس الذي رفض الجلوس بحجة انه حر بأن يفعل ما يشاء , لم يجلس ولم يتوقف عن الحركة والكلام , أضحكنا جميعاً حين اشترك بالحديث الدائر بأن قال " في الشغل عند ماما في شجرة ورق عنب بس ما في معكرونة .. يا خسارة" ..
أحب السفر ليلاً , لكن هذا لا يمكن أن يحدث , فعبور الحواجز يمنع بعد السابعة , لذلك قررت أن تكون البداية في الخامسة مساءاً ,موهمة نفسي أنها أول ساعات الليل , بذا لا أخضع لمشيئة الحواجز والقائمين عليها .. وأسافر ليلاً . وحدها الأشجار تارة تتجمع وتارة تكون فرادى على طرفي الطريق المعشوشبة , مساحات شاسعة تأبى إلا أن تحاصرنا , جبالها عصية قوية , وتقبيل الربيع لأرضها دائم . هي بعض المباني الهجينة المنسقة ألقت بنفسها على قمم تلال اغتصبتها وتخشى نزولها , فصعدت لها الشوارع لتقصيها عنا وتصير جراحاً استدامت . في الخلف زاد الهرج والمرج للحظات ما لبث أن تحول إلى صمت بين الجميع , وتعلقت أنظارنا بشواهق اسمنتية تلاصقت وامتدت على طول الطريق , لم يجرؤ على التسلل من بينها غير أجساد صغيرة تختصر الطريق للمدرسة أو المنزل , وعند الاسمنت الشاهق أيضاً تلاصقت عربات الباعة تحت أعلام فلسطين الساكنة وصور تشي غيفارا أبو علي وشهداء دون أسماء , وليس عجباً تجمع المركبات كنقطة للوصول والمغادرة .. مما أوقع في نفسي الحيرة مما شاهدت , هل هو احتيال على واقع لم يكتفِ باغتصاب الأرض بل أبقاها مشرعة للتجزيء والحرق والتجريف , هل يمكن ان ينطوي الرفض على القبول ولو ضمناً ؟...
منذ البداية خبأت كلمة في نفسي ورحت أرددها بصمت كمن يتدرب على أنشودة امتحان الصف , وأحرص على أن لا تأخذني الربكة فأتأخر أو أؤجل ما يجول في خاطري , خفت ان تهمس بها شفتاي فتقضي على تفائلي وفرحي بما خبأت , فرحت أشغلها بالابتسام كلما اقتربت من ذاك المكان. هو الحاجز الأخير إذن .. حيث يزدحم الجميع فلا تعلم ان كانت الأسلاك الشائكة ومكعبات الاسمنت تخرج منهم أم يخرجون منها ,هناك الانتظار واجب علينا أصحاء ضعفاء صغاراً أو كباراً .. جميعاً انتظروا , بطاقات الهوية مشرعة ينظر فيها الجندي , لن ينظر ولن يدقق ولكن يكتفي بأن يقول امشٍ , مناوشات ونقاشات كثيرة وطويلة تحدث بين المنتظرين والجنود تصل الى حد الصراخ وتلاحم الأجساد دون الأيدي , أصعب نهاياتها حين يقتاد الجندي خصمه الى سيارة الجيب أو القاءه في حفرة خاصة أعدت لأمثاله يقضي فيها سحابة نهاره.. أو امشٍ . فتاتين ختمتا خجل الطفولة منذ أيام وأرسلتاه إلى الماضي القريب ليستقبلن عنفوان الصبا , أطالتا نظرات التحدي بالجنود ايماناً منهما أن المرور على الحواجز هكذا يجب أن يكون .
أخذت هويتي من الجندي طويتها وتأكد أن كل من معي لا زالوا معي , الأن فقط أسمح لشفتي بالبوح .. لم أحيي الذي على الجانب الأخر من الهاتف .. عــبـرنــــا .. عنيت كل حرف منها واجتمع العبر العبور العبرة والعبرات في لفظ واحد , عشرة دقائق فقط تفصلني عن مكاني وعالمي الذي أحب عن كل ما أشتاق له وأحن .. لقد عـبـرنـــــــــــا

Friday, November 9, 2007

عباس يستعد للذهاب

منذ الاعلان عن مشروع مؤتمر أنابوليس والحركة السياسية على قدم وساق والحوارات تتفرع وتجمل بين عدة محاور
.. لكنها في البداية واجهت عدة مصاعب هددت عدم انعقاده , حيث ظهر جلياً على لسان صائب عريقات حين شكك بصدقية هذا المؤتمر ومدى جديته وهو الذي لم يحدد له تاريخ أو أجندة أو حتى الأعضاء المدعوين وما هي محاور النقاش , ونوه إلى أنه دون الاتفاق ما بين السلطة واسرائيل ليس هناك جدوى , عندها استبشرنا خيراً وقلنا أن عباس لربما يخطئ هذه المرة ويقرر عدم الذهاب والمشاركة .. لكن مكوك رايس ما انفك يدور ويزور مرة هنا ومرات هناك , ويكاد يكون هكذا مؤتمر رهان حياتها. فبالأمس القريب ذكرت ليفني أن المفاوضات لن تستغرق أقل من 5 سنوات , وعاد اليوم اولمرت يحدد زمن المفاوضات بعام واحد , وعباس يقر أنه يجب انهاء المفاوضات قبل نهاية بوش , وشدد على أنه معني بهذا جداً , مبرراً هذا التأكيد بالمصلحة العامة والفلسطينية خاصة . هذا التغيير في المواقف السياسية حذاه ملامسة في حياة المواطن وافعال التغيير فيها تمهيداً لإستقبال انعقاد المؤتمر وما ستؤل اليه نتائجه , ولعل أهم هذه المرافق التي يطمح كل مواطن فلسطيني الى تحسينها , هي الحالة الأمنية في مدن الضفة وغزة , والتي لا يمكن وصفها بأقل من حالة فوضى وتخبط , تارة من الاقتحامات المتكررة وتارة أخرى من ممارسات الكتائب على اختلاف شعابها , , فحالة التسيب ليس لها ضابط أو حتى مراقب , وتتعاظم هذه الحالة في مدينة نابلس بشكل غير مسبوق والفوضى الأمنية تتجلى بجميع صورها ومعانيها , بدأ من البيع والشراء مروراً بالقضاء والتعليم وصولاً الى سلوك العامة في الشارع , فمثلت تحدياً كبيراً لكل من محافظ المدينة وعميد الشرطة فيها , فتعددت خطط ومحاولات الحفاظ على الأمن والفشل واحد , إما بسبب عدم الجدية أو المحسوبية , ولكن تكرار الاقتحام من قبل الجيش الاسرائيلي كان أهم أسباب فشلها ...غير أنه قبل ما يقارب الاسبوع , حضر مندوب أمني أميريكي الى المدينة واجتمع بوجهائها ومحافظها واتفقوا على أهمية عودة الأمن والنظام الى مدينة نابلس , _ فتكون عبرة لغيرها _ , تلا الاجتماع بثلاثة او أربعة أيام حضور 300 عنصر أمني من خارج المدينة بعد تلقيهم تدريب خاص , تراهم فتظن عنترة بن شداد بعث من جديد , وهم يشيعون في المدينة أنهم جاؤا وهم على أتم الاستعداد للمخاطرة بأرواحهم _ بمواجهة المواطنين والمطاردين والفاعلين في التسيب وليس بوجه اقتحامات الجيش _ , وعلى هذا بدأت حالة الطوارئ في المدينة والجميع على قدم وساق , وبالطبع تأبى اسرائيل الا أن تقتحم فتعتقل وتفجر وتدمر , وهذا ما حدث فعلاً ليلة أمس . لكني تفاجأت اليوم صباحاً حين طالعت بالصحف خبراً يخص المدينة , وهذه المرة جاء من أمريكا التي عنفت اسرائيل واتهمتها بتقويض خطة إعادة النظام جراء اقتحام المدينة في الليلة السابقة , كذلك خبر زيارة موفد شخصي لمستشارة ألمانيا للمدينة , والأعجب من هذا وذاك حالة الاعمار التي شرعت بالتحضير لخطة بناء ما دمره الاجتياح عام 2002 من شوارع ومباني , وهو أمر دأبت السلطة وجميع الدول التي شاركت بالاعمار أن لأ تخص نابلس بشئ منه , اليوم تحديداً ابرزت قوات الأمن أنيابها وعملت على ترهيب الناس , حيث انفجرت عبوة بوجه عمال البلدية فقتلت واحداً وجرحت اثنين , ورافق الحدث تجمع الكثير من الأهالي للوقوف على الحدث , فما كان من شرطيي الأمن إلا أن أطلقوا الرصاص في الهواء بكثافة لتفريق المواطنين , رغم أن عميد الشرطة قد صرح للصحافة بأنه من الممكن اعتبار ما جرى ردة فعل مبالغ فيها من قبل الشرطة ولكن على المواطن عدم دفعهم لاستخدام العنف .لا شك أن الخطة الأمنية المقررة تهدف أولاً وأخيراً إلى بسط سيطرة السلطة في نابلس التي تمثل معقل المواجهة ومخبأ المطلوبين لإسرائيل , ومن ثم تسليمها أمنياً ونفوذاً للسلطة بشكل رسمي على غرار ما حدث حين أشيع تحرير غزة من الاحتلال , مع التعهد عدم اقتحام المدينة نهاراً أو ليلاً..ألا يعني كل ما يجري أن شيئاً ما يحوم في الأفق ؟؟ ألا يصب هذا في بنود خطة عزل الضفة عن غزة والجري الحثيث لتوقيع اتفاق نعلم جميعاً فحواه ونرفضه ؟ هل يظن عباس ومن معه أن الترغيب والترهيب يمكن أن يجنبه الموقف الحرج ويسنده فيما هو ذاهب اليه وهو القائل بأنه لن يذهب دون تفويض وموافقة الدول العربية ؟ هل تراه يجرؤ على ما امتنع عنه عرفات وأل بنا الى انتفاضة ثانية وقتل وتدمير , ان ذر الرماد في العيون من شيم عباس , فهل يا ترى بعد أن يحقق الأمن ويبني ويعمر سيمارس سحره على قضية غلاء الأسعار وصرف الرواتب ..,كما يفعل بالأمن والنظام وحينها فقط يصبح على أهبة الاستعداد ليكتب تاريخه المجيد في مؤتمر أنابوليس .
خلاصة :من المتعارف عليه فيما يخص عقد المؤتمرات الدولية , أن تناقش بنوده حيث يتم الاتفاق عليها قبل التوجه لعقده , وما يجري يومياً على الساحة الأمنية والاقتصادية الفلسطينية هو تطبيقات تمهيدية , ارتأت كل من القيادات الامريكية والاسرائيلية وتزاطئ أركان السلطة, بوجوب تفعيلها الأن بالذات لتحسين صورة المؤتمر وما سينبثق عنه , ولا تتجرأ قيادة السلطة بالتمادي في هذه التحسينات لأبعد من هذا , حيث لم تتطرق لأوضاع اللاجئين والأسرى . نحن مع اعادة الأمن وأمان المواطن الفلسطيني ولكن نرفض أن تكون على طبق التنازلات والمساومة .