Wednesday, September 20, 2006

فيروز وزياد ليسا أونلاين


ضحى شمس

(مقابلة) مزعومة مع السيدة فيروز نشرتها جريدة <روز اليوسف> المصرية اليومية خلال العدوان على لبنان، وأخذها عنها موقع <فيروز اونلاين> غير الرسمي، بالطبع، على انها حقيقية. (رسالة) تنتحل لغة زياد الرحباني، وموقعّة باسمه الأول نشرها موقع <الجبهة> المجهول النسب، وتناقلتها المواقع الألكترونية وعلق عليها متصفحو المواقع مسلّمين بصحتها، موجهة إلى النائب سعد رفيق الحريري ملخصها أنه <مش زابطة معك بالسياسة>. يتكاثر المزوّر على الشبكة العنكبوتية، ولا من يدقق. يتعامل الناس مع ما هو منشور على الشبكة على أنه مقدس، مُنزل، غير وارد التشكيك به.

في التفاصيل، أستجابت <المؤلفة> مهى متبولي والمتنكرة كصحافية تعمل في جريدة <روز اليوسف>، لرغبة <جمهور> الجريدة بتقصي اخبار السيدة فيروز التي بقيت في لبنان تحت رحمة القصف الإسرائيلي أسوة بمواطنيها. فقامت بتزوير مقابلة كاملة نشرتها الجريدة، <تبوح> فيها فيروز بمكنونات قلبها الى متبولي، ولا تتورع، على غير عادتها، عن إبداء آراء مفصّلة في السياسة المحلية: من نوع رأيها في حزب الله، والحكومة وغيرها من المسائل التي يتطلع جمهور الجريدة (التي عرفت بالتأكيد أياماً مهنية أفضل ايام زمان) الى سماع اجوبة السيدة عليها.

لم تعمل المتبولي، التي ظنت انها نفدت <بسبقها> طالما ان الجريدة توزع في مصر، حساب الانترنت وهوس معجبي فيروز بأخبارها. فقد إنقض منشئو موقع <فيروز اونلاين> وجمهوره من<مجانين الست>، على <المقابلة> المزعومة، ونشروها على موقعهم المفروض انه موقع <محبة> لا أذى. واللافت ان هذه المحبة، التي تجعل من وتيرة متابعتهم لأخبار فيروز متابعة تكاد تكون مرضية، تغوص في تفاصيل شخصيتها وكلامها وحركاتها وسكناتها، لم تقدهم للتعرف على المزوّر من الصحيح: فلا الكلام كلام فيروز ولا المفردات مفرداتها ولا المقام مقامها.

من جهة اخرى، نشر موقع <الجبهة> المجهول النسب، كما باستطاعة أي شيء ان يكون على الانترنت، رسالة، حاول صاحبها بجهد اكبر من جهد متبولي، محاكاة لغة زياد، مختاراً لتزويره ذاك، لحظة مشكوكاً بتوقيتها في السياسة الداخلية اللبنانية. وإن كان زياد، على عكس والدته، يتكلم في السياسة وبالتفصيل، إلا أن <الصور> المجازية التي ضمنها المزوّر لرسالته، دلّت على التزوير. فعامية الرسالة أقترنت بقلة الأدب وضحالة الصور المجازية التي يبرع زياد فيها وأي براعة. لكن المزوّر لم يتنبه إلى ذلك. لا تفترض العامية قلة الأدب عند زياد الرحباني، وهذه الغلطة في عقل المزوّر، هي التي قادته الى أستخدام صور لا يمكن لزياد إستخدامها. لكن الرسالة، بتوقيتها وجهدها الكبير لمحاكاة لغة زياد، حكّت على جرح جمهور سياسي بعينه، يعتبر نفسه تقليدياً من مستمعي الرحباني، ما أضطر الرحباني الى التوضيح، (عدد 18 أيلول <السفير).

الخطأ الذي وقع فيه المزوّر، بربطه بين العامية والابتذال، ذكرنا بحادثة تزوير أخرى ربما كان صانعها المزوّر نفسه <الاختصاصي> على ما يبدو. نقصد شائعة اتصال زياد بإذاعة أثناء إجراء هيفاء وهبي مقابلة على إحدى الإذاعات الفنية، حيث قال لها على الهواء (لاحظوا) <شو بدك بالفن؟ روح اعملي اللي بتعرفي تعمليه منيح> او شيء من هذا القبيل!

ومع ان زياد نفى في مقابلة لإحدى المجلات الفنية، إلا ان الشائعة <قاومت>، وبقيت تنازع فترة قبل ان تنطفئ، لكنها تركت خلفها سؤالاً، تجدد مع الحادثتين المذكورتين اعلاه: ما الذي يضمن حقوق الناس في دقة اخبارهم على شبكة الانترنت ومن يقاضي المتعدين؟ لم لا تطبق قواعد وآليات الصحافة المكتوبة، وهي الأقدم والأعرق، على مجال الانترنت لجهة التحقق من المصادر والاخبار مع بعض التعديلات التقنية المتوجبة لاختلاف الوسيلة؟ وكيف يرتق صدع احدثه نشر مزوّر على الانترنت الواسعة الانتشار، خصوصا ان تكذيبه يتم على صفحات الجرائد، أي بما لا يوازي قيد انملة انتشار الانترنت؟

أرسل محامي فيروز تكذيباً الى جريدة <روز اليوسف> محتفظاً بكامل حقوقها بمقاضاة المسؤول عن هذا التزوير. لكن، ما الذي من الممكن فعله بالنسبة للموقع الألكتروني الذي أقتبس المقابلة المزوّرة؟ وكيف يمكن إصلاح الضرر؟

اما بالنسبة لزياد الرحباني، فقد صرف المزوّر جهداً أيضا للتنصل من تهمة انتحال صفة زياد الرحباني فوّقع الرسالة بالأسم الاول <زياد> من دون اسم العائلة. لكنه فوّت على نفسه (أو أن المسؤول عن إخراج الموقع فوت عليه؟) فرصة التنصل من المسؤولية، بنشره فوق نص الرسالة صورة مركبة <تجمع> بين النائب المذكور والفنان الكبير. ومع ذلك، كيف تتم مقاضاته؟

لقد اعلن زياد منذ فترة طويلة ان لا موقع رسمياً له. بل انه حجز (أي اشترى) أسمه على الشبكة كي لا يقوم شخص آخر بأستخدامه. وأنت اليوم حين تطبع اسمه بأساليب مختلفة على محرك البحث، تحصل على صفحة مكتوب عليها <لا موقع رسمياً لزياد الرحباني>. لكن ماذا تفعل بتزوير من هذا الطراز؟

قديماً كانت الناس تقول <قالته الراديو>، تدليلاً على صدقية الخبر. كان ذلك قبل المذيع احمد سعيد <بطل> نكسة .1967 بعده، وكان التلفزيون قد بدأ بالانتشار على نطاق واسع في عالمنا العربي والغربي، صارت الناس تقول <شفناه على التلفزيون>، تدليلاً على مصداقية او اهمية ما شوهد. اليوم يقال، <لقيتو على الانترنت> تدليلاً على أهمية الشبكة في <نبش> الأخبار وبالتالي الإيحاء بأهمية الخبر بسبب الذي تمكنت الشبكة من الوصول اليه. وعندما تحصل على خبر <منشور> على الأنترنت، من يفكر بالتحقق من صحته؟

في مصطلحات الانترنت المترجمة عن الإنكليزية هناك مصطلح <إنزال>، وتسمى العملية <تنزيل>، (داون لودينغ) وبالتالي الخبر او المقال يكون <مُنَزَّلا>. ربما كانت الطريقة الوحيدة للدفاع عن انفسنا، هي بتلافينا اعتبار كل ما هو <مُنَزّل> على الإنترنت، مُنزَل من السماء.

وبانتظار ذلك عندنا تعميم موجه للجميع: فيروز وزياد الرحباني ليسا <اونلاين>.

No comments: