Monday, November 21, 2005

فيروز ..عيد سعيد

مادونا سمعان
غداً عيد الاستقلال، لكن اليوم عيد ميلاد فيروز. إنها لمفارقة أن يفصل بين هاتين المناسبتين يوم واحد. اربع وعشرون ساعة تحمل كل أوجه التقارب ولكن ايضا كل اوجه الاختلاف.
على خارطة العالم، لم يكن لبنان ملحوظا لولا الاهتمام الدولي، او بالاصح لولا المصلحة الدولية من جهة والتطور التكنولوجي، من جهة أخرى، ينتشله من موقعه وينقله إلى كل بلد. كاد أن يضيع في البحر المتوسط أو يتجمد في القطب الشمالي أو يذوب على خطّ الاستواء بالنسبة إلى شعوب العالم، لولا تلك الحرب التي كانت تحمله الى نشرات الاخبار بهوية بشعة: قصف، إنزالات عسكرية، أشلاء وجثث... صور ملطخة بالدم وصوت يصدح على ايقاع واحد، ايقاع القذائف والبنادق في مرحلة الطوائف.. وأخبار الفساد والمراهنات والوصايات في مرحلة ما بعد الطائف. هذا كان صوت لبنان بعد الاستقلال.
هي حملته أيضاً الى العالم، انما بصورة أخرى لا بل نقيضة. غنته <<لبنان الكرامة والشعب العنيد>> و<<تراب الجنوب>>، ب<<إيمان ساطع>> بوطن مستقل، لا يخرج من وصاية لينضوي تحت أخرى.
صوت فيروز لم ينقسم الى <<شرقية>> و<<غربية>>، وأبى أن يصدح في جلسات الملوك الخاصة. صوت لا يغني إلا لشعوب، لأمواج من البشر في احتفالات عامة.
الاحتفال بعيد الاستقلال ليس عامّا لتحتفل به فيروز، إنه احتفال خاص، يخص <<ملوك الطوائف>>، يتوارثونه من الآباء الى الابناء، في عملية بيع وشراء اذ يبيعون استقلالا ويشترون آخر بكمية من الشعب، يتنازلون عن حصّة ليحصلوا على أخرى. بعضهم يشارك هذا العام، وبعضهم شارك في الأعوام الماضية، وبعضهم يتجهز للعام الجديد.. ليس استقلالاً عامّاً. عملية بيع وشراء مباشرة على الهواء، لا تتطلب الا ثرثرة يجيدونها، عملية أشدّ استهلاكا من أي سلعة موجودة في الأسواق.
أما هي فتجيد لعبة الصمت، به تستدرجنا للانتماء إليها. وتعرف متى تكسره وبماذا تخاطب الجمهور النهم لسماع صوتها، فتغني <<يارا>> و<<شادي>> و<<قمر مشغرة>>... تغني لبنان بصورته الأجمل، لبنان <<لولو>> و<<بترا>>، تعيد رسم تلك الصورة البديلة التي تجيد رسمها، في عينينا المرتبكة، اليوم... تغيب ثم تعود فتوقظ هذا الجمهور الشعب من سأمه، تحمله من <<ناس من ورق>> الى <<ناطورة المفاتيح>>.
غداً، عرض عسكري آخر، وجيش مرصوص الصفوف، وشخصيات تستعرضه في ساحة العرض. غدا ليس سوى ذكرى تستحضر من كتب التاريخ ومروحيات تحلّق فوق الشعب. بقيت منها نميمة حول المشاركين والممتنعين.
فيروز لم تغن للمروحيات بل لطيارة الورق الملونة. المروحيات تعني الحرب، أما طيارات الورق فلا تحلّق أيام العواصف.
اليوم عيد ميلاد فيروز. ها هي ثمانية وستون عاما قد مرت، ها هي حقبة تاريخية سيحتفل بها لأكثر من مئة عام، لا بل لأطول من عقود. والتاريخ إذا استعرض صانعي الاستقلال، فسيحاكمهم من خلال أغنيات وصوت فيروز، الملك النائم، والحاكم الظالم والحارس المرتشي.
فيروز <<وطن>> لا يحتفل بالاستقلال لأنه لم يكن يوما خاضعاً. صوت خاص مداه عامّ. وطن عن الواقع كما الرحابنة، طيّب وأصيل كما زكي ناصيف، ثائر للغد كما زياد الرحباني. فيروز هي الوطن المتعارف عليه، ينتمي إليه اللبنانيون كلهم
.

No comments: