Tuesday, August 22, 2006

مع انتصار كهذا

مقال يجب أن يقال في مثل هذا الحال, والا فمن المحال أن تصلح الاحوال, وسنظل نغوص في الأوحال ..

حسام عيتاني

السفير 22\8\06

سكان الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع في غاية السعادة لدمار منازلهم، بل انهم يؤكدون لو ان اسرائيل لم تقصفها لكانوا هم قد فجروها كتأكيد منهم على فرحتهم بالنصر الذي تحقق و<فداء للمقاومة وسيدها>. هذا هو الانطباع الاولي الذي يخرج به مشاهد قناة ( المنار) .لا يطالب أحد وسيلة إعلام حزبية بالموضوعية، خصوصاً في أيام الازمات بل النكبات، وليس من أحد على قدر من السذاجة ليتوقع أن يعلن التلفزيون الناطق باسم حزب الله الحداد على أرواح أكثر من الف وثلاثمئة لبناني قضوا في الحرب الاسرائيلية على لبنان، خصوصاً بعدما أعلن الحزب النصر الالهي المؤزر. غير أن نوع التغطية الانتصارية يعجز عن إقناع كثر من اللبنانيين ان خسارة الاحباب والابناء وجنى الاعمار، هي من دواعي الفرح وليس الشجن طالما أن المقاومة خرجت منتصرة.لا نريد السجال في معنى النصر والهزيمة وما اذا كان الفشل في تحقيق المطالب الاسرائيلية المعلنة في الايام الاولى للحرب كتفكيك حزب الله وتجريده من السلاح وتعزيز <الحكومة الديموقراطية> في بيروت والافراج الفوري عن الاسيرين اللذين يحتفظ الحزب بهما، هو بمثابة الهزيمة لإسرائيل مقابل انتصار للجانب اللبناني، ولا التساؤل عن مدى نجاح الحزب في الوصول الى أهدافه هو أي تحرير مزارع شبعا والافراج عن الاسرى (مع ان هذه المسألة هي الاقرب الى الانتهاء، نظرياً على الاقل) أو الهدف المعلن الابعد مدى في توفير قوة رادعة لأي اعتداء اسرائيلي، ولا في مدى الارتباك الذي تشهده مؤسسات الدولة والقطاع الخاص في التعامل مع قضية ضخمة ومعقدة من نوع إعادة البلاد. غير أننا في صدد التشديد على ان ليس كل المصابين بالحرب سعداء بخساراتهم، ولا تعالج الامور بالتركيز على بطولات المقاومين وهذه حقيقة يعترف بها العدو قبل الصديق، مقابل إنكار هول المأساة التي يعيشها لبنان.وفي الوقت الذي تتزايد فيه أرقام الخسائر والضحايا وتبرز الى السطح مشكلات جديدة كالتلوث البحري والقنابل غير المنفجرة وتتضح تعقيدات إعادة إعمار مدن بأكملها تحتاج الى مخططات توجيهية وهيئات خاضعة للمحاسبة والمساءلة، خصوصا أن مسؤولين عديدين بدأوا يحصون حجم أرباحهم من عمليات الفساد المقبلة، في هذا الوقت بالذات يسعى البعض الى تصوير كل ما أصاب لبنان واللبنانيين كالتفصيل الصغير الذي لا ينبغي أن يحجب شمس الانتصار.لا نستطيع تقبل هذا السلوك. فمن قُتِل في ملجأ أو على خط النار، يستحق أن يعامل كإنسان وليس كقربان على أي مذبح كان. وليس هناك ما يعيب في بكاء القتلى والبيوت المدمرة والآمال الضائعة. فماذا لو كانت الخسائر على ما نعاين ونسمع وهي تكاد تشمل الوطن ليس كبنية تحتية واستقرار نقدي، بل كمكان قادر على توفير المستقبل لأبنائه. والبينة في هذا الادعاء موجودة أمام السفارات الغربية التي قد يرغب غلاة الانتصاريين بالقيام بجولة قربها. ولا نكشف سراً ان قلنا ان بعض التصرفات والتصريحات تنطوي على قدر من الاحتقار لقيمة الحياة البشرية، ما يبرر الدعوة الى إعادة النظر ليس في نقاشات حول الطائف والدولة وسلاح المقاومة بل حول موقع الانسان، الفرد، المجرد، في هذه البلاد البائسة. وموقع الفرد المذكور الآن في أدنى سلّم الاهتمامات بلا أدنى شك. بل أكثر من ذلك، لا بد من القول ان المرء يستغرب كيف يجوز أن ينسى اللبنانيون بهذه السرعة صور الاطفال المهشمة جماجمهم والمقطعة أوصالهم والملقاة جثثهم على طرقات مروحين وقانا والنبطية والغازية وصور والشياح وبعلبك وبريتال وغيرها الكثير، ليقبلوا أن تتحول مأساتهم في أقل من ثمان وأربعين ساعة الى ما يشبه السيرك الذي لا يخلو من التهريج السياسي والاعلامي الذي لا يوازيه إلا أقوال ومواقف عدد من نواب وممثلي الاكثرية البرلمانية الذين يريدون، أدركوا ذلك ام لم يدركوا (والارجح أنهم يدركون)، استكمال الحرب بوسائل سياسية.ولا ضير هنا من الاتفاق مع النائب وليد جنبلاط في إعلانه الاشمئزاز من ضيوف بعض المحطات التلفزيونية الذين خرجوا من مكامنهم ليتبنوا نصراً اذا صح أن ما أسفرت الحرب عنه هو النصر لم يساهموا فيه بشروى نقير. يضاف الى ذلك اشمئزاز معادل حيال سياسيين يغضون النظر عن الكوارث التي أصابت مواطنيهم ليتفرغوا لتصفية الحسابات مع حزب الله. يصدر هذا الكلام عن تمن بتصديق ما يقال عن النصر، تغالبه قلة اقتناع تبرز أثناء المقارنة بين السمع والنظر وقراءة أرقام الخسائر والتهديدات الاسرائيلية المتكررة بشن حرب جديدة على لبنان. أخيراً، لا مفر من التساؤل: مع انتصار كهذا، من يحتاج الى هزيمة؟

كلام لا غبار عليه , لا انحياز لفريق او تجني على أخر , ودعوة جميع الفرقاء للألتفات للأنسان اللبناني على اعتبار أن لا نصر دون الانسان ,ولا مقاومة دون مقاتل , الخسائر البشرية أولاً والمادية ثانياً التي مني بها لبنان , لا تعوض بالتصريحات الاعلامية , ولا المبالغة الشعارية والكلامية, وضرب الاسافين المدمرة في الجسد المقاوم , فكما نمجد الانتصار يجب أن ننهض بالمنتصر .

No comments: