Monday, May 1, 2006

الصفع


ضرغام مسروجة فلسطيني مُشَرَد

عندما, عندما يُنعى اليك أب

تتصدع مثل شقوق الباب الخشبي المتروك في العراء طوال الليل

تصفعك الريح يميناً ويساراً ويستحيل عليك الرأب .

أبي عاش قصته القصيرة على طرف الحصيرة

لم يكن ليناً , لم يكن يابساً

كان أخاً في صورة أب

وغنياً ببساطته,شغوفاً بالماضي

رحالةً يسكن أحزانه بمرارة ألفتها سنواتي المقضية تحت حنانيه

يغاضب أمي ليغازلها بالمقلوب

فتضحك بابتسامة لا تموت ولم يرثها عنها أحد.

وكان يحب الشعر, ويكره الشعراء خلاصاً من تبعات الغواية

وفراراً من غلّ الذئبْ

ومات لأنه مات .

يا أبت المولع بالعرق القادم من سر الأجداد الرحل , وجينة عمري الصِّبْ

لا أعرف آخر كلمات النزع

لا أعرف , لا أعرف هل برئت منى شفتاه أم غضب علي من القلبْ

لو طلعت روحي وبقيت روحك ما كنت صرخت

في عنقي ذنبٌ لا أحسب أن مياه الأرض ستغسله

كيف تعيش إذن وأنت على حالين: تزرع مقتاٌ وتجنى أتعس مقت

ولم تحفل بالذي رباك صغيراٌ

وقلتَ " الأفَّ" سنيناً , أتظن بأنك ستمر على السراط ؟

صراطك خلق لأجلك وحدك كي تعرف معنى النّار

نارك في الدارين ولن تبرأ

أتظن بأن صغارك غداً يحفلون ؟ حين يكبرون ؟

وربك قد يعفو عن شرك إلا أنت

جبلُ عقوق , وتقول بأنك منسوب لأطيب شعبْ ؟

ما الطيبة ؟ أن تكون بلا طيبة , قلباً حجرياً

فاحماً مثقوب الرئتين رافعاً " جناح الذل على الرحمة " ؟

أسألُ في اليوم مئات المرات سؤالي الوحيد

في الصحو وفي الغفوة , وما بين الوقفة والكبوة

لا أعرف إن كنت

سمحتَ , غفرتَ , عفوتَ , وتناسيتَ غروبي وقهرتَ الكربْ .

لكني أعرف أني لم أملك أبداً أشهى من مصروفي اليومي من بين يديك

فأنت تنبات بحدسك اني لن أفلح في صنع الفلس

وأنت على سريرك – يا سريرتي عودي كنجمة صبح أعلاها الربْ –

كنتَ تدندن في السر: راح الرشيدُ جاء الرشيدُ

تزهو كالطاووس وتفرغُ ما في الجيبْ .

أترى كيف طوقني الغيّ ومضى الشد يسأل عني كل عام ؟

في هذا العام

عام الموت الذي سمعت بالهاتف عنه أيقنت بأني أضرُّ المخلوقات

ولم يستفق بعد رأسي من صفع الصفّعْ

فأصفحْ

يا اطيب أبْ .

سرقتني الأربعون

وما زلت أمارس طيشي وأسكن في بسمة فوق الخد الأيسر تحت جفن المنون

فلن يسرَّكّ الحال ولن يرتاح فيك جنب .

مرت بي حالاً ذكرى إشعالك لي سيجارة "أُسكت" – ما زالت في حلقي –

فأهرول في اخر الليل مذعورا

أغيب يوماً او يومين , شهراً أو شهرين كل الأوقات سواء

أبحث عن موت ألقيه بوجهي واسُبُّ بكل النعوت المقيمة تحت الحزام

وتمر بي ذكريات عن اخي, " بكرُكَ " صار ابي

حين اراد لنزهته بغير رضاك أن تصبح أسخن علقة

أجلسته على الأريكة مربوطاً

تؤدبه بيديك, وتصيح به تشتُمُ ذاتكَ فيه, تمد عود الخيزران وتجلده ,

وحين هاجت أمي فيك وهي تدلك جسداً يتهالك بالزيت الساخن

تقرأ من الطاف الله ما تيسر لها الحفظ

وقالت: كدت تقتُله, وأجبتَ بكل الخوف الأبوي: كنتُ أربيه

هنالك دمعت عيناكَ وانت منزو , وأمي لا حول لها سوى أنها أبهى بهاء

هي الآن معي كلما أراها أقبل كفيها في " زلفى "

وحين يهزني الشوق في خريفي وتسقط عني أوراقي أرتمي غير آسف علي

تضمني وتقول لي : لمَ أنت ضعيف حتى التهاوي

لمَ تنشطر إلى جزيئات كأنك ساقط من عطارد ؟

تمسكني " نورا " بيديها الأحلى من حبات التمر

وتحلفني ان أكبر فوق العشرين

لكي تراني أبا , وهل رأني إبناً أحدُ ؟ والزوجة لا تطيق الكلام فكيف إن قيل لها : أنا الزوج ؟

أترى يا شيخي الراحل بلا نظرة تشفي التشظي

ها إن الأشياء إستوت بعدك طينا

فيا ليت أنَّا ما خُلقنا , أو ما نطفَتْ بنا نُطفة , لكُنا الأن في بطن الغيب سُكونا

فالتعري كالتحري والحقائق كالدقائق تمر فيها بلا حرج ثوانينا

فلماذا عصفتَ الأن بي , وأعدتني بعد المشيب للصغر ؟

فمبتدئي مضى ولم يحن مضارعُ خبري .

أشرطتي لا تحمل خيراً من غرز مثانيها

إلا تلك الواقفة على سُنَّة الفناء كزمجرة ليوث الغاب المختفية خلف الشجرة

لا من يقلعها أو يحرقها كي تظهر في أقصى صور الرعب

طلاسمُ عمر لا نملك إلا أن نقضيه بما شاء المُشيئُ

حتى يتناهى للسمع الموقوف على موجات تهتز لها الطبلة

خبر الإياب العاري من كل الطفق المجدول بأوراق الجنة .

لا أستكثر ما كنت به أو أستقلل

فالحكم يطال الأشياء الكاملة لينقصها والأخرى الناقصة لتكتمل بصيغة هات .

وارى سرابي مختلطاً بالغبار حيث كنتُ

وأرى شرابي طافحاً لا نديم له إن مُتُّ

وأشتهي لو أُرجَمُ ثانيةً بحزن يثقب أوزون بقائي ولا أندم

فالفراق المؤلم لا يحس بالفراق

والبصيرة المسحوبة في دغل البعد المعتم تنيرها صيحات ملاكِ تصطك الأسنان لمرآه

وتزهق مني النفخة في آخر حتف .

ولأنك يا أبت أعطيت لروحي حُباً لا يستنفذ

لا افكر كما الأشجار حين تميل قبل هبوب العاصفة

ولا اخجل من دمعاتي , فالنفس مهما تسترت لها مخارجها الكاشفة

قد تكون في العينين

قد تكون في رعاش يطول ليال

لذلك أحنُّ لو ذهبت , أجنُّ لو ما برحت

فروحك الآن تراني, وعما قريب أراك

فقط لو تسامح, وتسامحني مخرجتي من بطن الحب الأبدي

مدخلتي في غضب يهتك أعتى بأس

فأنا طفل أود النوم قليلاً لعلي لا أستفيق

وإن استفقت , أقْبلُ قُبالة الرضى أن يُقطع عني هذا الراس .




No comments: