Monday, May 1, 2006

الصبورة


powered by ODEO

ضرغام مسروجة فلسطيني مُشَرَد

لا عليك ان هزمت مراراً أو انتهيتْ

لا عليك إن تجرعت المرارة وما ارتويت

حينما قيل إنها لم تعد على قيد الحياة, خارت قواهُ

لا قال, لا تآسى, ولا خرجت منه الآهُ

تلفت حواليه كأنه دُوارٌ وانكمش .

سأحاول أن اشرحْ

لكني أبداً لن أفلحْ

أيوجد هناك ما هو أفدحْ

من يأس ينضح

يقيم في الروح ويسرحْ

فلا هو أفسح لي كي أدوس على رموشي المقلوعة من عيني المتورمتين

ولا أنا فارقت المطرحْ .

فات الذي فات

وانطوى التراب على الرفات

وكنت قد استعطفت بكل الموجودات وكل الغيب. أن تقطع سيدتي عنق الريب

وتصدق أني أحملها في رنات وجيب القلب

وفي سكتته حين يشاء الربْ .

سيدتي يا تاج الرأس

كما للأصفاد التي في أيادي الأسرى رنين

فلعينيك الحنونتين ألفُ اشتياق وسربُ حنينْ

من قال إن المحب إذا ابتعد جفا . واذا جفا فلن يؤوب ؟

إن الفؤاد إذا ارتعد هفا, وإذا هفا فأنت باقية وأنا الغروبْ .

رأيتُكِ

ورأيت كيف زمَّ الشفتين بصمت هذا القبرُ

ما ضرهُ لو تيبَسْتُ عندهُ ؟

ما ضرني لو ما برحتُ كياني

إقرأ على الشاهد إسمها يا حاضراً في القلب لتدميَهُ

ها هنا ترقد الصبورة ؟

بكل رخاوة البدن الذي كان يفيض ملاحةً

ويوزع اللهفات على السنين لكي يتملى بعد الغياب من طلّتي

فتملى بدل الطلعة صورةْ

ما رأت عيناها الذي كان لها محبباً وقريباً

ولا ضم الشوق المعاند, شوق القاهر للمقهورةْ .

أمي عاشت سجينة

وماتت حزينة

وأنا سببٌ مزق ثوبها وكانت تأمل أن أكون لها بصيرةً وسكينةْ

فصرت لا فرق بيني وبين الضغينة

والبدن الأن مفارق روحه وأشياءه

فماذا يتمنى القلب ؟

لا أماني ولا قلب

يشدُّ وثاقيَ الندمُ

وأقول بكل قواي " استجب أيها العدمُ "

هو أعدمني وكسّرت مجاديفي هبّاتُ طوفاني

فأحالني إلى نُثارٍ زبدُ الخوف المبحر في أحشائي وشردني الضيمُ

أتصعلك في شوارع البيضاء

أهندسُ منعرجات الفجيعة شبراً فشبرا

وأعود إليها من حيث لا أدري

وأكتب عزائي لروحي ثم أندب لوعتي وأمحو السطرَ

يا من يأخذني إليك ؟

ماذا ستفعلين بي ولم تري مني شيئاً , كأني لست منكِ

كأنك لم تكوني لي الأمَّ

فلا قبلت كعبيك ِ ولا شيعتك إلى المثوى , ولا هلّلتُ ولا كبّرت , ولا حتى ألقيت عليك آخر نظرة

أريد ركبتيك كي أسند رأسي

ذلك الذي كان رأسي

وأبوح إليك بمكنوني

يا ليت أن قبرك ِ قبل أن يأويك كان قد أرداني
إذن لأنتهيت من شكواي وبدلت مَغازلَ جُبّتي

وألقيتُ في أعكَرِ بركةٍ ذِلتي ومسكنتي وهواني .

أمي عاشت سجينة

وماتت حزينة

تركتها على سنَّة الانتظار كالرهينة

فلا أطل عليها مسافرٌ ولا بانَ لها شراعٌ ولا سفينةٌ .

أمي قُدّتْ من صبر الصًّبر

وفي أخر أيامها كانت تأبى الدواء, لا تريد الشفاء ولا البقاء

لم تكفر بالحياة

ولا بمن خلق الأشياء من حرفين وماء .

كانت فقط تريد أن تقتل القهرَ

ذلك الذي كان يلازمها كما الموج لا يفترق البحرَ

فالأمهات اسم مخلوق من حروف مُرَّةٍ

منها يتركب الألم والآهاتُ

لكنهنَّ الحياةُ

ألهذا كلما مرّ بنا حيفٌ مِلنا إلى الأحضان

أين هي؟ لا شيء هنا أو هناك, كل الكلام حشرجاتْ .

كنا ضعافاً, صغاراً بهن مظللين, وكن هُنَّ فوقنا كالعريشْ

ولما قوينا وصارت لنا أرجل تروح وتأتي

وهُنّ رُحْنَ عنّا

تساقط عنا الريشْ

هي الأن تنتظر النشور على صاري الصور

فمن لي بعدها من حاني

وقد كانت رقتي وصوّاني

أبا العلاء لم يجنِ أحدٌ علي , كنت أنا وحدي الجاني

فيا موجد الرحمات

خاليةٌ مراسينا

والمواساة أشقى من الفراغ

كلما عدونا إلى غدٍ فرحٍ واستفقنا عند مفاوز الطرقات لكي نستهل غداً

قال دليلُ رحلتنا لماذا لم تصلوا ؟

قلنا وأين نحن ؟

قال لقد عدوتم على ظهر البارجةْ

نصرخ : تباً للضباب جاء بنا من الضباب إلى الضباب

وصيرنا من البياض إلى مسوح كالحةْ

فماذا يكون, أهو كل العطايا والرزايا والسرايا والشظايا والمنايا؟

ونحن العلةُ والمعلولْ

القاتل والمقتولْ

فبماذا تفيد أيها الساكن بلا مأوى

وأنت الحب والمهوى ؟

أتذكرُ ما قالت لك وهي ترتب حقيبة السفر الذي لم يشأ ان ينته ؟

بل إني أحفظه .

قالت : تهيأ لما سيأتي وإلا رُحتَ مجروفاً مع التيار .

حظك اليوم باسمٌ. وغداً ربما , وبعده يدبر الأملُ

واوصت رفيقاً بقربي أن يمهد لي سبيلي

يركبني في سفائنه إن استطاع للبحر سبيلا

يدثرني إن جاءني مطر

ويردني إلى شوقي إن عدمتني الحيلُ

لوحت بكفٍ راعشة

ومضت لما ابتعدنا موشحة بحكمتها ووصية لم تنفع مع الأقدار .

جبلي كان عالٍ

والوادي أسحقُ من السحيق

ضاع الرفيق من البداية

وانسلَّت العتمات إلى عينيَّ وأظلمت طريقي

انثنت كما القوس الأماني

وجاوزت النهارات من نكاية إلى نكاية

فبماذا يفيد الرجوع إلى الخيال

الميناء خالٍ

والقمر نحيلٌ وأنا , يا انا لو تجدني يا طريق

خذني وردَّ علي , لماذا أضعت سروري ؟

قال لا أدري, أنا احترت فيك عمراً . تشعل فيك النار

وتنادي يا من يطفئ في صدري حريقي

تغرزُ تُرسكَ في شجر البلوط عند حافة الصمت في غابة حبك المقطوع الوصل جبراً

حتى الثدي, كأنه ما أرضعك

تبني خرائب عوت فيها ذئاب البرية

على حسّ عظام طحنتها أنياب الحراش الأبعد من وجهك المحفر باظافر وحشتهم

تنحت للقادمين على صخر مناك

سرّ الموت رسوماً لا تنفك تلاحقك في الكيف وفي المتى والكم .



No comments: